"كأم، أواجه تحديًا يوميًا مع طفلي البالغ من العمر 4 سنوات نتيجة تعلقه الشديد بي؛ فلا يسمح لي بمجرد الابتعاد عن نظره للحظات، مما يضعني في مواقف صعبة حتى لأمور بسيطة كالذهاب إلى الحمام. الآن، مع اقتراب موعد انتقاله إلى المدرسة، تتفاقم المشكلة. يرفض فكرة الانفصال، ويتمسك بي أكثر فأكثر، ويبكي بشكل مستمر، وتقف المدرسة عاجزة عن إيجاد حل لهذه الأزمة، مما يزيد من حيرتي وقلقي. فماذا عليّ أن أفعل؟"


تعلق الأطفال بالأهل هو طبيعي، لأنهما مصدر الأمان والراحة له، لكن التعلق الزائد قد يتطور إلى حالة مرضية تسمى باضطراب قلق الانفصال. سنوضّح لكِ عزيزتي الأم ماذا تعني هذه الحالة، وكيف يمكنكِ أنتِ وطفلك تجاوزها معاً.

ما هو قلق الانفصال عند الأطفال؟

قلق الانفصال (Separation Anxiety Disorder)، هو حالة نفسية يشعر فيها الطفل بالخوف والقلق لحظة الانفصال عن والديه (الأم أو الأب أو كليهما)، بحيث يصرخ، ويبكي، وينفعل كثيراً عند غيابه عنهما. هذا السلوك شائع بين الأطفال، خاصةً في الأعمار الأولى بين 6 أشهر و3 سنوات، حيث يكون الطفل متعلقاً كثيراً بأهله. (1)


يقل قلق الانفصال تدريجياً مع نمو الطفل، وانخراطه في الحضانة/المدرسة، وزيادة ثقته بنفسه، لكن في حوالي 4% من الحالات، قد يستمر هذا القلق، ويتطور إلى ما يُعرف بـ "اضطراب قلق الانفصال"، حيث يعاني الطفل من مخاوف مستمرة وفزع شديد عند الانفصال عن والديه، حتى لو كان لفترة قصيرة. يمكن أن يتسبب هذا الاضطراب بمشاكل عاطفية وسلوكية تؤثر سلباً في حياة الطفل والأسرة بأكملها، مما يتطلب اهتمامًا ورعاية خاصة من قِبل الأهل والمتخصصين للتعامل معه. (2)

ما هي أعراض قلق الانفصال عند الأطفال؟

أعراض قلق الانفصال واضحة، فقد تُلاحظين أنّ طفلك: (3)


  • يبكي أو يُصبح نكداً عندما تتركينه.
  • يرفض النوم إلا وأنتِ بجانبه، ويصحو قلقاً في حال استيقظ ولم يجدك بجانبه.
  • يزداد قلقه وخوفه في الظروف الجديدة، مثلاً عند زيارة بيت شخص غريب عليه، أو عند الانتقال إلى الحضانة أو المدرسة.


ضعي في بالك أنّ هذه الأمور طبيعية في الأعمار المبكّرة، ويمكن أن يكون الطفل إما متعلق بكِ، أو بأبيه، أو بكما معاً.


ماذا تختلف عن أعراض اضطراب قلق الانفصال؟

يتميز اضطراب قلق الانفصال بأن: (2)


  • أعراضه تكون أشد بالنسبة لقلق الانفصال الطبيعي الذي يمر به معظم الأطفال.
  • يستمر لأطول من 4 أسابيع على نفس الحالة.
  • يؤثر بشكل سلبي على حياة الطفل والعائلة بأكملها.


من الأفضل أن تحصلي على مُساعدة استشاري نفسي أو تربوي في حال لاحظتي أعراض اضطراب قلق الانفصال التالية على طفلك: (4)


  • التعلق الشديد بالأهل، والفزع حتى عند غيابهما للحظات قصيرة.
  • خوف وقلق غير مبرر، حيث يتخيل الطفل أن أمورًا سيئة قد تحدث لوالديه عندما لا يكون بجانبهما.
  • رفض الذهاب إلى الحضانة أو المدرسة للبقاء بجانب الأهل، وادعاء المرض أحياناً لهذه الغاية.
  • رفض النوم خارج المنزل أو دون الأهل.
  • الخوف عند البقاء وحيداً.
  • كوابيس حول الانفصال عن الأهل، وتبليل الفراش أحياناً.
  • الشكوى من أعراض جسدية متكررة، مثل الصداع أو ألم البطن.

ما هي أسباب قلق الانفصال عند الأطفال؟

بعد وصول عمر 6 أشهر تقريباً، يزداد وعي الطفل، ويتعرّف على وجه أمه/أبيه أو أفراد العائلة المألوفين له بأنهم مصدر الأمان والراحة، وأن أي شخص غريب آخر هو مصدر خطر بالنسبة له، فيشعر بالقلق والخوف عند ابتعاده عنهم. مع تقدمه في العمر، تُصبح علاقاته أقوى مع الآخرين، ويختفي هذا القلق تدريجياً. (5)


لكن، وجود بعض الظروف أو العوامل عند الطفل قد تجعله أكثر عُرضة للإصابة باضطراب قلق الانفصال، ومنها: (4)


  • الحماية الزائدة من الأهل.
  • التعرّض لصدمة أو تغيرات جديدة، مثل موت أحد الأقارب أو الانتقال إلى مدرسة جديدة.
  • إصابة أحد أفراد العائلة بأحد اضطرابات القلق المختلفة.
  • إصابة الطفل نفسه بأحد اضطرابات القلق، مثل الفوبيا أو الرهاب الاجتماعي.


كيف يمكن علاج قلق الانفصال عند الأطفال؟

تذكري أن القلق يخفّ وحده مع الوقت، لكن يمكن أن تُساعدكِ هذه النصائح البسيطة على تجاوز المرحلة: (6)(7)


  • ابدئي بمرحلة الانفصال تدريجياً: قومي بإرسال طفلك إلى منزل جدته أو أحد الأقارب المعروفين لديه للاعتناء به لبعض الوقت، حتى يتعوّد على غيابك قبل انتقاله إلى المدرسة.
  • ودّعيه سريعاً: اجعلي وقت الوداع قصيرًا، على سبيل المثال ودّعيه وقبليه على خده، ثم اخرجي مباشرةً.
  • حافظي على الثبات والروتين: حاولي تكرار نفس الطريقة ونفس الطقوس في نفس الوقت كل يوم.
  • قدّمي كل الاهتمام له أثناء الانفصال: أظهري له محبتك، وابتسامتك الجميلة، ثم ودعيه بسرعة رغم أي تصرفات أو بكاء لإقناعك بالبقاء.
  • أخبريه موعد عودتك/ أو عودته من المدرسة: واستخدمي تعابير يفهمها طفلك، مثل "سأعود بعد قيلولتك، وقبل وقت الوجبة الخفيفة"، ومن المهم أن توفي بوعدك حتى تبني الثقة بينكما.
  • اتركي شيئاً مريحاً مع طفلك: قد يكون من المفيد ترك شيء يرتبط به طفلك، مثل لعبته المفضلة.





إذا زاد قلق طفلك سوءاً، أو ظهرت عليه علامات اضطراب قلق الانفصال، اتصلي بقسم الاستشارة النفسية في مستشفى الأهلي. سيساعدك فريق من المختصين ذوي الخبرة على إيجاد طرق لمساعدة طفلك، وتخطي هذه الصعوبات.



المراجع


  1. Separation Anxiety Disorder - Mayo Clinic
  2. Separation Anxiety in Babies and Children - Raising Children Network
  3. How to manage your child’s separation anxiety - UNICEF Parenting
  4. Separation Anxiety Disorder - WebMD
  5. Separation Anxiety in Children - MedlinePlus
  6. Separation Anxiety - NHS
  7. How to Ease Your Child’s Separation Anxiety - HealthyChildren.org